في بداية تلقينا لدروس السلامة الكهربائية في معهد التكوين في الكهرباء والغاز بالجزائر ، طرح علينا المهندس المحاضر سؤالا لم يخطر على بالنا من قبل :
هل الكهرباء صديقة أم عَـدُوّة ؟
السؤال صريح وبسيط ، لكن الإجابة عليه ليست بتلك السهولة والبساطة ، فمن رأى الرفاهية التي حققتها الكهرباء في معيشة الناس ، والتطور المتسارع في جميع الميادين ، حَكـم بصداقتها ، ومن رأى الحوادث التي سببتها الكهرباء ، وربما سلبت منه أعز ما يملك ، حكم بعداوتها .
الكهرباء هي نفسها في جميع المناطق ، لا تختلف باختلاف الناس أو باختلاف المباني والمنشآت . إذن ، ما الذي حولها من صديقة تخدُمنا إلى عدوة تقتلنا ؟ هذا ما سنحاول توضيحه في هذه التدوينة .
أسباب الحوادث الكهربائية
تختلف هذه الأسباب وتتنوع على حسب معطيات الحادثة ، فإن لكل حادثة سبب واحد على الأقل ـ وقد تكون أسباب كثيرة متداخلة في حادثة واحدة ، فانتبه ! ـ وأن لكل سبب دافع ، فماهي هذه الدوافع ؟
عند سبر هذه الأسباب نستنتج بأن لها دافعان اثنان لا ثالث لهما ، الجهل والتهاون ، جهل غير الكهربائيين بالطريقة الصحيحة للتعامل مع الأجهزة الكهربائية ، وتهاون الكهربائيين في توفير شروط السلامة في التمديدات الكهربائية .
أما الأسباب فكثيرة ، لكن أشهرها هي :
ـ سوء استعمال المآخذ الكهربائية .
ـ عدم ملائمة النواقل لفواصل الحماية .
ـ انهيار العوازل مع عدم صيانتها .
ـ سوء اختيار مسارات النواقل .
ـ الجودة الضعيفة لوسائل التمديدات ، وخاصة أجهزة الحماية والتحكم .
ـ عدم إحكام الوصلات .
ـ عدم التأريض .
ـ الصيانة مع وجود التيار.الحوادث الكهربائية
بما أن استعمال الكهرباء عمّ في جميع حياتنا ، بدءاً من البيت الصغير وصولاً إلى الشركات والمصانع الكبرى ، فإن احتمال التعرض لحادث سببُه الكهرباء وارد جدّاً وفي أي وقت ، وذلك لأن التيار الكهربائي لا يُرَى بالعين المجردة ولا يُشَم ولا يُسمَع .
نعم ، الإحصاءات تؤكد أن الحوادث الناجمة عن الكهرباء قليلة وفي تناقص مقارنة مع الحوادث الأخرى ، كحوادث السير مثلاً ؛ وذلك راجع إلى الوعي لدى الأفراد عامة والعمال خاصة ، وراجع أيضاً إلى تطور أجهزة الحماية ومواكبتها للعصر ، لكن ـ وللأسف ـ ما زالت هذه الحوادث تسجل حضورها في كل سنة .
تنقسم الحوادث الكهربائية على حسب نتائجها إلى نوعين :
تنقسم الحوادث الكهربائية على حسب نتائجها إلى نوعين :
1ـ المؤثرة على الإنسان
هذا النوع من الحوادث هو نتيجة لمرور التيار الكهربائي في جسم الإنسان ـ وقد عرفنا متى يمر الكهرباء في جسم الإنسان في قانون أوم فلا داعي لإعادته ـ بسبب ملامسته لجزء نشط من الدارة الكهربائية ، هذه الملامسة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة .
نَصِف الملامسة بالمباشِرة إذا تلامس الجزء النشط مع نقطة من جسم الإنسان ، كحوادث الصيانة مع وجود التيار ، ونَصِف الملامسة بالغير مباشِرة إذا كان التلامس بين جسم الإنسان والجزء النشط بواسطةٍ قابلةٍ لنقل التيار وكان السبب خلل في العزل ، كحوادث الأجهزة الكهرومنزلية .أنواع الإصابات الكهربائية المؤثرة على الإنسان
تنقسم هذه الإصابات إلى قسمين:
ـ الصدمة الكهربائية
ـ الصعقة الكهربائية
وتختلف آثار هذه الإصابات على جسم الإنسان إلى آثار حرارية ، وتحليلية ، وبيولوجية.
فالآثار الحرارية تتمثل في الحروق التي تصيب الجلد غالباً ، وكذلك سخونة الأوعية الدموية مع الدم مما يسبب في تعطل وظائف الأجهزة.
أما الآثار التحليلية فتتمثل في تحلل الدم والسوائل الحيوية الأخرى ، مما يؤدي إلى تغيير في تركيبتها الفيزيائية والكيميائية.
وأما الآثار البيولوجية فتتمثل في تهييج الأنسجة الحية التي يمكن أن تترافق مع تقلصات تشنجية غير إرادية للعضلات بما فيها عضلات القلب.حروق من الدرجة الأولى بسبب الصدمة الكهربائية |
بالإضافة إلى حوادث أخرى تتعلق بالجهد المتوسط وبالجهد العالي ، كالحوادث التي يسببها القوس الكهربائي ، أو الحوادث التي يسببها الإقتراب من كابل الجهد العالي ، أي بمجرد الدخول في المجال الكهربائي ومن دون ملامسة للجزء النشط يصاب الشخص بالصدمة الكهربائية ، وقد تكون مميتة إذا كان هذا الشخص لم يرتدي المعدات الفردية للحماية . وتختلف مسافة المجال الكهربائي باختلاف الجهد الكهربائي .
لمزيد من المعلومات حول أسباب الحوادث المؤثرة على الإنسان ، وماهي درجات الخطورة ، وغير ذلك ، راجع الصدمة الكهربائية.
2ـ المؤثرة على الممتلكات
هذا النوع من الحوادث هو نتيجة لانهيار عنصر من عناصر الحماية أو أكثر، ومثاله عدم تجاوب فاصل الحماية عند قصر الدارة ، أو إتلاف عمدي لنظام الحماية بدافع التخريب، أو عدم وجود حماية أصلاَ ، والحالة الأخيرة كثيرا ما تحدث في الأحياء القصديرية الفقيرة .
أكثر نتائج هذا النوع من الحوادث هو الحرائق للمنشآت والممتلكات ، وربما انفجارات إذا كان محيط الحادث الكهربائي به مواد قابلة للإنفجار ، وقد تُسبِب هذه الحرائق والإنفجارات إلى وفيات أشخاص متواجدين بالقرب من الحادث .
لكن كيف تتسبب الكهرباء في الحرائق ؟
كل مادة لها قدرة تحَـمُّـل معينة بحسب طبيعتها الميكانيكية أو الكيميائية ، ومنها الناقل الكهربائي والذي غالباً ما يكون من مادة النحاس ، وهو معزول بمادة البلاستك ، إذن لدينا مادتين مختلفتين على تلامس مباشر نحاس في وسط البلاستك ، عند غلق الدارة الكهربائية يمر التيار الكهربائي عبر الناقل النحاسي ، أما العازل البلاستيكي فهو يمنع التيار من التسرب خارج الدارة الكهربائية .
الجهد المطبق على هذه الدارة ثابت ، ومقاومة النواقل المستعملة في هذه الدارة ثابتة أيضاً ، إذن المتغير في هذه الدارة هو شدة التيار الكهربائي بالنسبة للأحمال ، فكلما زادت الأحمال زادت شدة التيار ، والعكس صحيح ، لكن كلما زادت شدة التيار ـ مع الأخذ بعين الإعتبار عنصر الزمن ، فهومهم في هذه المسألة ـ زادت الحرارة المتولدة عنه ، وهو ما يعرف بمفعول جول ، وهو المفهوم المطبق في المدفئة الكهربائية وغيرها ، فإذا زادت شدة التيار فوق قدرة تحمل الناقل تَدَخّـل عنصرالحماية المتمثل في الفاصل الحراري وفَتح الدارة ، أما في حالة عدم استجابة الفاصل فسينهار الناقل بسبب الحرارة العالية جداً ، وبما أن العازل البلاستيكي مادة قابلة للإشتعال ، فالنتيجة بطبيعة الحال هي احتراق الدارة الكهربائية ، وحجم هذا الإحتراق يتحدد بتداخل عدة عوامل أخرى ، كنوع البناء ، ونوع الطلاء ، ونوع المواد القريبة من الدارة المحترقة ، وغير ذلك.وهناك سبب آخر للإشتعال ـ وهو الشائع ـ ألا وهو سوء إحكام الوصلات ، مما يسبب في ارتفاع درجة حرارة هذه الوصلات حتى تصبح جمرة ، ثم إلى الإشتعال إذا لم يُتدارك الأمر بسرعة ، يمكن تجنب هذا الحادث عن طريق شم رائحة الاحتراق ، فمن تأكد من هذه الرائحة فليسرع إلى قطع التيار ، وبعد ذلك تأتي الصيانة.
الوقاية من الحوادث الكهربائية
للوقاية من الحوادث بشكل عام ، يجب على أي شخص أن يستوعب جيداً أسباب هذه الحوادث ، لأن الطريقة الفاشلة هي علاج النتائج وترك الأسباب ، فأُوقية وقاية خير من قنطار علاج .
قلنا بأن للحوادث الكهربائية أسباب ، ولهذه الأسباب داعيان لا ثالث لهما : الجهل والأهمال ، فغير الكهربائي يجب عليه معرفة الإستعمال السليم لجميع الأدوات والأجهزة الكهربائية ، سواء كان ذالك بالإطلاع على النشرات المرفقة مع الأجهزة الكهربائية ، أو الإستفسار من مختص .
يمنع على غير الكهربائي منعاً باتاً التدخل في التمديدات الكهربائية ، سواء كان ذالك بغرض الصيانة أو الإنشاء ، وذالك لعدم إحاطته بالمعايير الضرورية .
على الكهربائي الإلتزام بمعايير وشروط السلامة المهنية عامة ، والسلامة الكهربائية خاصة.
إذا كان الهدف من السلامة الكهربائية هو الحفاظ على العنصر البشري أولا وقبل كل شيء ، فالمسؤولية تقع على الجميع ، سواء الكهربائي أو غير الكهربائي ، إلا أن مسؤولية الكهربائي ضِعف مسؤولية غيره ، فهو مسؤول على سلامة نفسه ، وعلى سلامة مستخدمي التمديدات التي أنشأها ، أما غيره ، فهم مسؤولون فقط على سلامة أنفسهم .
علمتنا التجربة أن أكثر الحوادث التي تصيب الكهربائي هي أثناء قيامه بالصيانة ، لذا من المهم إعطاء التعليمات الضرورية لسلامة الكهربائي عند قيامه بالصيانة الكهربائية.تعليمات السلامة الخاصة بالصيانة
- فصل التيار الكهربائي نهائيا عن الجهاز المراد إصلاحه أو الدارة المراد العمل بها.
- التأكد من عدم وجود تيار كهربائي وذلك بفحص الدارة بواسطة أجهزة القياس.
- أخذ الإحتياطات لعدم إعادة توصيل الدارة التي يتم العمل بها بوضع إشارات تحذيرية عند نقطة الفصل.
- استعمال الأدوات المعزولة عزلاً جيداً ولبس الأحذية العازلة.
- التأكد من عملية الإصلاح بالعين المجردة أو بالأجهزة الخاصة.
- إعادة توصيل التيار الكهربائي بحذر شديد.
هذه التعليمات مرتبة ترتيبا زمنيا ، ويجب على الكهربائي العمل بمقتضاها مع احترام ترتيبها ؛ الخطوات الثلاثة الأولى خاصة بما قبل المباشرة بأعمال الصيانة ، الخطوة الرابعة خاصة بأثناء الصيانة ، أما الخطوتين الأخيرتين فهما بعد الإنتهاء من أعمال الصيانة.
قد تبدو الخطوة الثالثة لا فائدة منها وخاصة إذا كان الكهربائي لوحده ، ونحن نقول إن لكل وظيفة عادات حسنة وأخرى سيئة ، فعوِّد نفسك أخي الكهربائي على هذه الخطوة ، وأؤكد حتى لو كنت لوحدك ، فكم من كهربائي مات بسبب تخطيه لهذه الخطوة ، وذلك بإعادة غلق الدارة من طرف شخص آخر لا يدري بحدوث الصيانة في ذلك الوقت.
هناك تساؤل آخر وهو وارد ، ما الذي يمنع الحادثة من وقوعها إذا أخطأ ـ أو تعمد ـ أحد وغلق الدارة ؟ نقول : تمنعها الخطوة الرابعة.
فائدة :
فيما يخص الخطوة السادسة ، عند إعادة التوصيل ، وخاصة في الأماكن الواسعة ، اغلق الفاصل ثم مباشرة أعد فتحه ، ثم تمهل قليلا ثم أعد غلقه ، وذلك لاحتمال تكهرب أحد الأشخاص عند إعادة التوصيل وأنت لا تدري ، فهذا الإجراء قد يمنحه فرصة لإنقاذ نفسه.
نتمنى السلامة للجميع
0 Comments:
إرسال تعليق
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد