قبل أن نبدأ في الإجابة على هذه الإستفسارات ، أحببت أن أنوه إلى أن التوضيحات التالية مبسطة جداً ، وذلك أن الغاية من هذه الفقرة هو الحماية والسلامة من الصدمة الكهربائية ، وليس توضيح التعقيدات الفيزيائية ، وأفضل طريقة لتجنب النتائج هي معرفة الأسباب .
الصدمة الكهربائية
بكل بساطة نعرف الصدمة الكهربائية بأنها ردة فعل جسم الإنسان نتيجة لمرور تيار كهربائي فيه ـ وكذلك في جسم الحيوان ، لكن موضوعنا عن الإنسان ـ حيث يكون المسار من خلال نقطتين مختلفتين من الجسم .
ممر التيار الكهربائي:
في الحقيقة ، ممر التيار الكهربائي في جسم الإنسان مسألة معقدة جداً ، وذلك لتداخل عدة عوامل في تحديد حجم التيار المار وكذلك ردة فعل الجسم .
لكن نستطيع فهم المسألة إذا رجعنا إلى المقارنة بين الدارة الكهربائية والنظام الهيدروليكي التي تكلمنا عنها في مفهوم الكهرباء .
في النظام الهيدروليكي الممثل أعلاه ، لا يوجد أي تدفق للماء ، لأن الماء في الطرفين على نفس المستوى ، أي لا يوجد فرق في الضغط بين (أ) و (ب) .
نفس الشيء بالنسبة للدارة الكهربائية ، لا يوجد مرور تيار كهربائي بين نقطتين ( أ ) و (ب) إذا لم يكن بينهما فرق في الجهد ، وهو ما نسميه فرق الكُـمُون ، وأكثر الأمثلة شيوعاً لذلك هو وقوف الطائر على خط كهربائي نشط من دون أي صدمة كهربائية.
بما أن النقطتين (أ) و (ب) ـ أي رجلي الطائر ـ على نفس الناقل ، والمسافة بينهما مهملة ، فإن فرق الكمون بينهما معدوم وبالتالي لا وجود للتيار الكهربائي ، بعكس ما إذا كان التَـماس بين طورين ـ فازَيْن ـ أو بين طورٍ والعمود المعدني ، ففي هاتين الحالتين تكون قيمة فرق الكمون بحسب قيمة جهد الطور ، وبالتالي يمر التيار في جسم الطائر.
إصابة نسر بصعقة كهربائية نتيجة تلامسه للخط النشط (باللون الأصفر) مع وضع رجليه على العمود (باللون الأزرق) |
عوامل الصدمة الكهربائية
العضلات ، القلب والدماغ ، أعضاء تتواصل فيما بينها عن طريق إشارات إلكترونية تمر عبر ما يعرف بالأعصاب ، هذه الإشارات يمكن أن تضطرب بتيار كهربائي ولج خطئاً في جسم الإنسان . أضف إلى ذلك الحرارة التي ينتجها التيار والتي يمكن أن تدمر مختلف الأنسجة في الجسم . لتحديد حجم الإصابة بالصدمة الكهربائية ومعرفة مدى خطورتها يجب معرفة العوامل المتداخلة في هذه الحادثة :
شدة التيار الكهربائي
تتناسب قوة الصدمة الكهربائية مع شدة التيار الكهربائي المار في الجسم تناسباً طردياً ، أي كلما كانت شدة التيار أكبر كانت الصدمة أقوى ، والعكس صحيح ، وشدة التيار بدورها تتناسب مع الجهد المطبق على المصاب ، وتتناسب كذلك مع المقاومة الكهربائية لجسمه ، وقد شرحنا هذا التناسب في قانون أوم.
مسار التيار الكهربائي
مسار التيار الكهربائي في جسم المصاب ليس هو نفسه في جميع الحالات ، فهو يتحدد على حسب موضع اللمس ، أضف إلى ذلك أن التيار الكهربائي يختار دائماً أسهل طريق له ، وبعبارة تقنية : يختار المسار الذي مقاومته أضعف .
هناك مسارات كثيرة يمكن أن يسلكها التيار لدى مروره بجسم الإنسان ، وأكثر المسارات حدوثاً:
ـ يد \ يد
ـ يد \ قدم
ـ قدم \ قدم
ـ رأس \ يد ، أو رأس \ قدم ، وهذه الحالة الأقل حدوثاً .
فكلما كان المسار يشمل أو يقترب من أحد الأعضاء الحيوية كانت الإصابة أخطر ، كالدماغ والقلب والرئتين والكليتين وغيرها .
المدة الزمنية لمرور التيار
كلما كانت المدة أطول لمرور نفس شدة التيار كلما زادت شدة الإصابة بالصدمة الكهربائية ، وهذا يعني أن جسم الإنسان يتأثر على حسب الكمية الكهربائية التي تعْبُر جسمه .
فطول المدة ، وحتى من دون تغيير في قيمة التيار، قد تحول الصدمة الخفيفة إلى صعقة مميتة .
مساحة نقطة التلامس
المقاومة الكهربائية تتناسب عكسياً مع المساحة التي يمر من خلالها التيار الكهربائي ، فكلما كانت المساحة أكبر كانت المقاومة أصغر ، ومثال ذلك : لمس ناقل نشط براحة اليد أخطر من لمسه بطرف الإصبع .
المقاومة الكهربائية لجسم الإنسان
كل مادة لها مقاومة كهربائية تختلف قيمتها باختلاف طبيعة هذه المادة ، فمقاومة مادة الذهب ليس كمقاومة مادة البلاستك مثلاً . وجسم الإنسان عبارة عن خليط من المواد ، وهذا الخليط له مقاومته الكهربائية التي تختلف من شخص لآخر على حسب الخصائص الفيزيولوجية للجسم .
يمكننا تلخيص هذه الخصائص فيما يلي :
ـ قوة البنية الجسدية : فكلما كانت البنية أقوى كانت المقاومة أكبر ، وهناك عوامل عدة تحدد هذه القـوة الجسدية: كعامل السن ، وعامل الجنس ، وعامل الجلد ، وغير ذلك ، ولهذا مقاومة الشاب الثلاثيني أكبر من مقاومة الطفل أو الشيخ أو المرأة .
ـ المرض والإرهاق : الشخص المريض أو المُرهَق مقاومة جسمه في هذه الحالة أقل مما كانت عليه سابقاً في حال الصحة والراحة ، ولهذا يجب على الشركات الكهربائية خاصة والمصانع عامة أن تعطي للكهربائي الحق في رفض العمل ذو الطابع الكهربائي في حالة المرض أو الإرهاق .
ـ رطوبة المحيط : الرطوبة التي نقصدها ليست التي نسمع عنها في نشرة الأحوال الجوية ، وإنما هي طبيعة تواجد الماء حول الشخص المصاب بالصدمة ، فتلقي الشخص لصدمة كهربائية ويداه جافتان وهو في الغرفة مثلاً ليس كمن يداه مبلولتان وهو في الحمام ، وليس كمن هو مغمور داخل حوض الحمام .
نتمنى السلامة للجميع
0 Comments:
إرسال تعليق
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد